الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - عُرَنة بضمّ أوّله وفتح ثانيه، ويقال أيضاً بطن عرنة: واد بحذاء عرفات من جهة المزدلفة ومنىً ومكّة - وعرنة هو واد بين العلمين اللّذين على حدّ عرفة، والعلمين اللّذين على حدّ الحرم، فليس عرنة من عرفة، ولا من الحرم - عند جمهور الفقهاء، خلافاً للحنفيّة.
2 - ذهب جمهور الفقهاء: إلى أنّ عرنة، ويقال: بطن عرنة ليس من عرفة ولا يجزئ الوقوف فيه، قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على أنّ من وقف فيه لا يصحّ وقوفه ولا يجزئ. وجاء في المجموع: وادي عرنة ليس من عرفات، لا خلاف فيه. نصّ عليه الشّافعيّ، واتّفق عليه الأصحاب، واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم: » كلّ عرفات موقف، وارفعوا عن بطن عرنة « ولأنّ الواقف فيه لم يقضه بعرفة.
1 - العروض في اللّغة جمع عرض، ومن معاني العرض بالسّكون في اللّغة المتاع، قالوا: الدّراهم والدّنانير عين وما سواهما عرض، وقال أبو عبيد: العروض هي: الأمتعة الّتي لا يدخلها كيل، ولا وزن، ولا يكون حيواناً ولا عقاراً. والعرَض - بالفتح - يطلق على معان: منها متاع الدّنيا، وحطامها، ففي الأثر: " الدّنيا عرض حاضر يأكل منها البرّ والفاجر ". وفي التّنزيل: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ }. وفي الاصطلاح: عرّفه الفقهاء بتعريفات لا تخرج عن المعنى اللّغويّ له، ومنها: العرْض - بإسكان الرّاء - هو: ما عدا الأثمان من المال على اختلاف أنواعه من النّبات والحيوان والعقار وسائر المال، وبفتحها: كثرة المال والمتاع، وسمّي عرضاً، لأنّه يعرض ثمّ يزول ويفنى. وقيل: لأنّه يعرض ليباع ويشترى تسميةً للمفعول باسم المصدر كتسمية المعلوم علماً.
البضاعة: 2 - من معاني البضاعة في اللّغة: القطعة من المال تعدّ للتّجارة ويطلق الفقهاء لفظ البضاعة على المال المبعوث للاتّجار.
3 - ذهب الفقهاء إلى وجوب الزّكاة في عروض التّجارة، إذا تحقّقت شروطها واستدلّوا لذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ }. وحديث سمرة رضي الله عنه قال: » كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يأمرنا أن نخرج الصّدقة من الّذي نعدّ للبيع «. وحديث أبي ذرّ رضي الله عنه مرفوعاً قال: » في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البزّ صدقتها «. ولأنّها معدّة للنّماء، بإعداد صاحبها فأشبهت المعدّة لذلك خلقةً، كالسّوائم، والنّقدين. وللتّفصيل ينظر مصطلح: (زكاة ف 77 وما بعدها).
1 - العريان في اللّغة: المتجرّد من ثيابه، مأخوذ من العري، وهو خلاف اللّبس يقال: عري الرّجل من ثيابه يعرى من باب تعب عرياً فهو عار وعريان، والمرأة عاريّة وعريانة. ونقل ابن منظور: أنّ العريان مأخوذ من النّبت الّذي قد عري عرياً إذا استبان. ولا يختلف معناه في الاصطلاح عن المعنى اللّغويّ.
الكشف: 2 - الكشف: من كشف الشّيء أي: رفع عنه ما يواريه ويغطّيه، و كشف اللّه غمّه بمعنى: أزاله، واكتشفت المرأة: بالغت في إظهار محاسنها. والكشف أعمّ من العري. السّتر: 3 - السّتر بالفتح: مصدر سترت الشّيء أستره إذا غطّيته، وتستّر أي: تغطّى، وجارية مستّرة أي: مخدّرة. والسّتر مقابل العري.
أ - الاغتسال عرياناً: 4 - الاغتسال عرياناً بين النّاس محرّم عند جميع الفقهاء، لأنّ ستر العورة فرض وكشفها محرّم إلاّ بين الزّوجين، فقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه أنّه قال: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال: » احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ممّا ملكت يمينك «. وقال صلى الله عليه وسلم: » لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة «. أمّا إذا كان خالياً فيجوز الاغتسال عرياناً، لكن قيّد أكثر الفقهاء هذا الجواز بالكراهة، وقالوا: يستحبّ التّستّر وإن كان خالياً لما ورد في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال: يا رسول اللّه، إذا كان أحدنا خالياً ؟ قال: » اللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس « وروي أنّ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما دخل غديراً وعليه برد له متوشّحاً به، فلمّا خرج قيل له، قال: إنّما تستّرت ممّن يراني ولا أراه، يعني ربّي والملائكة. وتفصيل ذلك في مصطلح: (غسل، عورة). ب - دخول الحمّام عرياناً: 5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ دخول الحمّام مشروع، لكنّه مقيّد بما إذا لم يكن فيه كشف العورة، قال أحمد: إن علمت أنّ كلّ من في الحمّام عليه إزار فادخله وإلاّ فلا تدخل وفصّل بعض المالكيّة فقالوا: دخول الرّجل الحمّام مع زوجته أو وحده مباح، ومع قوم لا يستترون ممنوع، وأمّا مع قوم مستترين فمكروه. وتفصيله في مصطلح: (حمّام، وعورة). ج - الصّلاة عرياناً: 6 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، وهو المشهور عند المالكيّة - إلى أنّ ستر العورة شرط لصحّة الصّلاة وعبّر بعضهم بأنّه فرض فلا تصحّ الصّلاة دونه، أي عرياناً. ولا فرق في ذلك بين من يصلّي منفرداً أو بجماعة، في خلوة أو بين النّاس، في ضوء أو في ظلام، وهذا الشّرط لمن يكون قادراً على ستر العورة وواجداً للثّياب، فلو صلّى مكشوف العورة قادراً وواجداً للسّاتر بطلت صلاته، وعليه الإعادة، والدّليل على اشتراط ستر العورة، وعدم صحّة صلاة العريان قوله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: المراد به الثّياب في الصّلاة. وإذا لم يجد المصلّي ما يستر به عورته، فاتّفق الفقهاء على أنّه يجب عليه أن يصلّي عرياناً، لأنّ اشتراط السّتر في صحّة الصّلاة مقيّد بالقدرة، وهو عاجز عنه. وتفصيل ذلك في مصطلح: (عورة، وصلاة).
7 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ من لم يجد ثوباً يستر به عورته صلّى عرياناً قاعداً يومئ بالرّكوع والسّجود، ويجعل السّجود أخفض من الرّكوع، وإن صلّى قائماً أو جالساً وركع وسجد بالأرض جاز له ذلك إلاّ أنّ الأوّل أفضل، لأنّ السّتر وجب لحقّ الصّلاة وحقّ النّاس. وتفصيل ذلك في مصطلح: (صلاة ف 35). 8 - ثمّ اختلف الحنفيّة والحنابلة في مشروعيّة الجماعة للعراة: فقال الحنابلة: الجماعة مشروعة للعراة، وبه قال قتادة، لأنّ قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: » صلاة الرّجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين درجةً « عامّ في كلّ مصلّ، ولا تسقط الجماعة لتعذّر سببها في الموقف، كما لو كانوا في مكان ضيّق لا يمكن أن يتقدّمهم إمامهم، قال البهوتيّ وتصلّي العراة جماعةً وجوباً. أمّا الحنفيّة فقد صرّحوا بكراهة جماعتهم كراهةً تحريميّةً، ومع ذلك إذا صلّوا بالجماعة يتوسّطهم إمامهم، كما قال ابن عابدين وابن قدامة وغيرهما. قال ابن الهمام: ولو تقدّمهم جاز: ويرسل كلّ واحد رجليه نحو القبلة، ويضع يديه بين فخذيه يومئ إيماءً. أمّا المالكيّة فقالوا: إنّ العريان يصلّي قائماً يركع ويسجد، وإن اجتمع العراة العاجزون عن ستر عوراتهم بظلام لليل أو نحوه يصلّون جماعةً كالمستورين في تقديم إمامهم واصطفافهم خلفه، والرّكوع والسّجود والقيام، وإن لم يجتمعوا بظلام تفرّقوا للصّلاة وجوباً وصلّوا فرادى، وإلاّ أعادوا بوقت، فإن لم يمكن تفرّقهم لخوف على نفس من نحو سبع، أو خوف على مال من الضّياع، أو لضيق مكان كسفينة، صلّوا قياماً راكعين ساجدين صفّاً واحداً غاضّين أبصارهم، إمامهم وسطهم في الصّفّ غير متقدّم عليهم. وعند الشّافعيّة في صلاة العريان العاجز عن ستر العورة قولان ووجه، وقيل: ثلاثة أوجه: أصحّها: يصلّي قائماً، ويتمّ الرّكوع والسّجود، والثّاني: يصلّي قاعداً، وهل يتمّ الرّكوع والسّجود أم يومئ ؟ فيه قولان: والثّالث: يتخيّر بين الأمرين، ولو حضر جمع من العراة، فلهم أن يصلّوا جماعةً، ويقف إمامهم وسطهم، وهل يسنّ لهم الجماعة، أم الأصحّ أنّ الأولى أن يصلّوا فرادى ؟ قولان: القديم: الانفراد أفضل، والجديد: الجماعة أفضل، قال النّوويّ: والمختار ما حكاه المحقّقون عن الجديد: أنّ الجماعة والانفراد سواء، وهذا إذا كانوا بحيث يتأتّى نظر بعضهم إلى بعض، فلو كانوا عمياً، أو في ظلمة استحبّت لهم الجماعة بلا خلاف. وبيان ما يعتبر ساتراً للعورة من الثّياب وغيرها ينظر في مصطلح: (عورة).
9 – إذا صلّى العاجز عن ستر العورة عرياناً، ثمّ وجد ما يسترها به من الثّياب ونحوها فهل يعيد الصّلاة أم لا ؟ للفقهاء فيه اتّجاهان: الأوّل: يعيد الصّلاة، وهذا مذهب أبي حنيفة، وبه قال المازريّ من المالكيّة، وقال: هو المذهب عندهم، وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة، ونقل البهوتيّ عن الرّعاية: أنّه هو الأقيس عند الحنابلة، الثّاني: تمّت صلاته ولا يعيدها، وهذا قول الصّاحبين من الحنفيّة وابن القاسم من المالكيّة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة، والظّاهر من مذهب الحنابلة.
10 - نصّ الحنفيّة على أنّه من واجبات الطّواف ستر العورة حتّى لو طاف عرياناً فعليه الإعادة ما دام بمكّة كما نصّ الشّافعيّة على أنّه يجب ستر العورة في الطّواف كما في الصّلاة، فلو طاف عرياناً مع القدرة على ستر العورة لم يصحّ طوافه، ونصّ المالكيّة على شرطيّة ستر العورة بالنّسبة إلى الذّكر والأنثى في الطّواف. وكذلك الحنابلة شرطوا ستر العورة في الطّواف.
انظر: معازف.
1 - العزل لغةً: التّنحية، يقال: عزله عن الأمر أو العمل أي: نحّاه عنه. ويقال: عزل عن المرأة واعتزلها: لم يرد ولدها. قال الجوهريّ العزل: عزل الرّجل الماء عن جاريته إذا جامعها لئلاّ تحمل. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ.
2 - تنعقد الإمامة الكبرى ببيعة الأمّة - ممثّلةً بأهل الحلّ والعقد - للإمام الّذي تتوافر فيه شروط الإمامة. ويشترط لدوام الإمامة دوام شروطها، وتزول بزوالها، إلاّ العدالة فقد اختلف في أثر زوال العدالة على منصب الإمامة. وتفصيل ذلك في مصطلح: (الإمامة الكبرى ف 12).
3 - عزل الإمام نفسه يعني استعفاءه أو استقالته من الإمامة. وقد حصل الخلاف في ذلك على مذهبين: الأوّل: جواز ذلك، وهو رأي الجمهور: واستدلّوا بأنّ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما قد خلع نفسه وتنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، ولأنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه لمّا تمّت له البيعة أقام ثلاثة أيّام يستقبل النّاس ويقول: قد أقلتكم في بيعتي، هل من كاره ؟ هل من مبغض ؟ ولولا جوازها لما قال ذلك. الثّاني: عدم صحّة ذلك، لأنّ الإمامة انعقدت له من قبل أهل الحلّ والعقد، فصار العقد لازماً، لا يحقّ له أن يخلع نفسه إلاّ بعد صدور قرار منهم بعزله.
4 - لا يجوز للوزير أن يعزل نفسه، ويجوز للإمام أن يعزل من قلّده الوزير، وليس للوزير أن يعزل من قلّده الإمام. وهل عزل الإمام للوزير يؤثّر على عزل عمّاله وولاته ؟ الوزارة على نوعين: وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ. فإذا عزل الإمام وزير التّنفيذ لم ينعزل به أحد من الولاة، أمّا وزير التّفويض فعزله من قبل الإمام يكون سبباً لعزل عمّال التّنفيذ، وليس سبباً لعزل عمّال التّفويض، لأنّ عمّال التّفويض ولاة، وعمّال التّنفيذ نوّاب.
أوّلاً: عزل القاضي نفسه: 5 - إذا رغب القاضي اعتزال منصب القضاء، وأراد أن يعزل نفسه هو - بأن يقول عزلت نفسي عن القضاء، أو أنا معزول، أو نحو ذلك، أو كتب بذلك للإمام بسبب أو دون سبب- صحّ ذلك وصار معزولاً، لأنّه بمثابة الوكيل، وللوكيل عزل نفسه، إلاّ أنّ الحنفيّة قالوا: يعتزل بعد سماع الإمام بذلك لا قبله، أو بعد وصول كتابه إليه. أمّا المالكيّة: فقيّدوا ذلك بشرط عدم تعلّق حقّ لأحد في قضائه حتّى لا يؤدّي انعزاله إلى حصول ضرر لمن التزم القضاء بينه وبين خصمه. ثانياً: عزله بموت الإمام أو بعزله عن الإمامة: 6 - ذهب الفقهاء إلى عدم انعزال القاضي بموت الإمام الّذي ولاه القضاء أو عزله، سواء أظهرهم تقليده بمدّة حياته أو بقائه في الإمامة أم أطلق. واستدلّوا على ذلك بأنّ الخلفاء رضي الله عنهم ولّوا حكّاماً في زمانهم، فلم ينعزلوا بموتهم، وبأنّ في عزله بموت الإمام ضرراً على المسلمين، فإنّ البلدان تتعطّل من الحكّام وتقف أحكام النّاس إلى أن يولّي الإمام الثّاني حكّاماً، وفيه ضرر عظيم، وبأنّه لم يتولّ لمصلحة الإمام، بل لمصلحة عامّة المسلمين. ثالثاً: عزل القاضي من قبل الإمام: 7 - إذا كانت شروط القضاء متوفّرةً في القاضي، وليس فيه ما يوجب عزله فهل يملك الإمام عزله أم لا ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة آراء: الرّأي الأوّل: يملك الإمام عزله مطلقاً، فإذا عزله نفذ عزله، سواء وجد من هو أصلح منه أو مثله أو لم يجد، دون حصول إثم عليه لمصلحة أو غيرها وهو رأي الحنفيّة وأحد رأيي الحنابلة، واحتجّوا لذلك بأنّ الخلفاء الرّاشدين كانوا يعزلون قضاتهم، ولولا أنّ ذلك من حقّهم لما فعلوه. الرّأي الثّاني: يمكن للإمام عزل القاضي لسبب من الأسباب التّالية: أ - حصول خلل منه ولو بغالب الظّنّ، ومن ذلك كثرة الشّكاوى عليه. ب - أن لا يحصل منه خلل، ولكن هناك من هو أفضل منه تحصيلاً لتلك المزيّة للمسلمين. ج - أن لا يحصل منّة خلل وليس هناك أفضل منه بل مثله أو دونه، ولكن في عزله مصلحة للمسلمين، كتسكين فتنة. أمّا إن عزله دون حصول هذه الأسباب فإنّه آثم، وهل ينفذ عزله أم لا ؟ وجهان: أحدهما: أنّه ينفذ، وهو الأصحّ، وبه قطع إمام الحرمين، وعلّل ذلك بأنّه مراعاةً لأمر الإمام إلاّ إذا لم يوجد هناك من يصلح للقضاء غيره، فعندئذ لا ينفذ. ثانيهما: عدم النّفاذ وذلك لعدم الخلل وعدم المصلحة. وهذا هو الرّأي عند الشّافعيّة، وقال به المالكيّة إلاّ أنّهم قالوا: يجب عزله إن تحقّقت المفسدة في بقائه ويستحبّ إن خشي مفسدته. الرّأي الثّالث: عدم جواز عزله مطلقاً، وهو الرّأي الثّاني للحنابلة. وعلّلوا ذلك بأنّ تولية القضاء له أمر تعود مصلحته للمسلمين، فلم يملك الإمام عزله كما لو عقد النّكاح على مولّيته لم يكن له فسخه.
استيلاء الباغي على السّلطة هل يؤدّي إلى عزل القضاة؟ 8 – صرّح الحنفيّة بأنّ القضاة لا ينعزلون بمجرّد استيلاء الباغي، إلاّ أنّه لو عزلهم انعزلوا ولا تنفذ أحكامهم. وإذا انهزم الباغي وعاد السّلطان العدل للحكم فلا بدّ من تقليدهم ثانياً لمنصب القضاء.
تعليق عزل القاضي على شرط 9 - قال الحنفيّة: يصحّ تعليق عزل القاضي على شرط، فإذا وقع الشّرط انعزل قياساً على تعليق تقليده. أمّا الشّافعيّة فقالوا: إذا كتب الإمام للقاضي كتاباً يتضمّن تعليق عزله على قراءته للكتاب، كأن قال له: إذا قرأت كتابي هذا فأنت معزول، فقرأه أو طالعه ففهم ما فيه، انعزل لوجود الصّفة، قولاً واحداً عند الشّافعيّة. وإن قرئ عليه، فالأصحّ أنّه ينعزل، لأنّ القصد إعلامه بالعزل لا قراءته بنفسه. ومقابل الأصحّ عندهم: أنّه لا ينعزل نظراً لصورة اللّفظ. واستدلّوا على جواز تعليق التّقليد بما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمّر عليهم زيد بن حارثة رضي الله عنه ثمّ قال: » إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد اللّه بن رواحة «. رابعاً: عزل القاضي لفقدان شرط من شروط صلاحيّته للقضاء: 10 - للقاضي شروط ينبغي أن تتحقّق في الشّخص المزمع تعيينه في منصب القضاء، فإذا فقد شرط من هذه الشّروط ففي عزل القاضي التّفصيل الآتي: أ - الجنون: 11 - الجنون إمّا أن يكون مطبقاً أو متقطّعاً، فإن كان مطبقاً فقد أجمع الفقهاء على انعزال القاضي. ولكن اختلفوا في تحديد قدر المدّة لاستمراره حتّى يكون مطبقاً. وتفصيل ذلك في مصطلح: (جنون ف 8). أمّا المتقطّع: فقد نصّ الشّافعيّة على أنّه ينعزل بالجنون وإن قلّ الزّمن. ب - الإغماء: 12 - للفقهاء في عزل القاضي بالإغماء رأيان: أحدهما: أنّه ينعزل القاضي به - وإن قلّ الزّمن - وهو ما صرّح به الشّافعيّة. وثانيهما: عدم عزله، وهو المفهوم من نصوص الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة. ج - الرّدّة: 13 - الرّدّة من الأسباب الموجبة لعزل القاضي عند جمهور الفقهاء، لأنّهم اشترطوا لصحّة تولّيه القضاء الإسلام، فإذا ارتدّ القاضي فقد شرطاً من شروط التّولية ووجب عزله، لأنّه لا ولاية لكافر على مسلم لقوله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } ولا سبيل أعظم من القضاء. أمّا الحنفيّة فلهم في المسألة روايتان: إحداهما: عدم عزل القاضي بالرّدّة إلاّ أنّ ما قضى به في حال الرّدّة باطل. الثّانية: ينعزل بالرّدّة، كما نقل ابن عابدين عن البزّازيّة من أنّ أربع خصال إذا حلّت بالقاضي انعزل: فوات السّمع أو البصر أو العقل أو الدّين. د - الفسق: 14 - اختلف العلماء في عزل القاضي بسبب الفسق إلى رأيين: الأوّل: اعتباره سبباً من أسباب عزله، وهو رأي جمهور الفقهاء، إذ قال به كلّ من اشترط في القاضي العدالة كالحنابلة والمالكيّة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة، وظاهر المذهب عند الحنفيّة وأفتى به ابن الكمال وابن ملك، وذلك لأنّ العدالة شرط في الشّاهد الّذي يشهد في قضيّة منفردة، فاشتراطها فيمن يتولّى القضاء في كلّ قضيّة من باب أولى. الثّاني: عدم اعتبار الفسق سبباً للعزل، وهو مقابل ما سبق من رأيي الحنفيّة والشّافعيّة. هـ – الرّشوة: 15 – أخذ الرّشوة حرام بإجماع الفقهاء. أمّا كونها سبباً لعزل القاضي أو عدم عزله ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح: (رشوة ف 18، 19). و - المرض المانع من مزاولة القضاء: 16 - المرض المؤقّت - وهو ما يرجى زواله - لا ينعزل به القاضي، أمّا الدّائم - وهو ما لا يرجى زواله - فالشّافعيّة قالوا: إن كان يعجزه عن النّهضة والحكم ينعزل به، وإن عجز عن النّهضة دون الحكم لم ينعزل، والحنابلة قالوا: ينعزل به القاضي عن القضاء، ويجب على الإمام عزله دون تفصيل. ز - العمى: 17 - إذا عيّن القاضي وهو بصير ثمّ عمي فالفقهاء يرون انعزاله، لأنّ الأعمى لا يعرف المدّعي من المدّعى عليه، والمقرّ من المقرّ له، والشّاهد من المشهود له، ولأنّ الشّاهد لا بدّ من كونه بصيراً، مع أنّه يشهد في أشياء يسيرة يحتاج فيها إلى البصر وربّما أحاط بحقيقة علمها، والقاضي ولايته عامّة، ويحكم في قضايا النّاس عامّةً، فإذا لم تقبل من الأعمى الشّهادة فالقضاء من باب أولى. ح - الصّمم: 18 - وفي الصّمم يجري ما ورد في العمى، لأنّ القاضي الأصمّ لا يسمع قول الخصمين ولا إفادة الشّهود، والأصحّ عند الحنفيّة: أنّ الأطرش - وهو من يسمع الصّوت القويّ - يصحّ قضاؤه. ط - البكم: 19 - إذا طرأ على القاضي الخرس استلزم عزله، كما سبق في العمى سواء أفهمت إشارته أم لم تفهم، لأنّ فيه مشقّةً للخصوم والشّهود، لتعسّر فهم ما يريده منهم، ولأنّ إشارته لا يفهمها أكثر النّاس. ى - كثرة شكاوى المترافعين عليه: 20 - إذا كثرت الشّكوى ضدّ قاض من القضاة، فقال المالكيّة: إن اشتهر بالعدالة، قال مطرّف: لا يجب على الإمام عزله، وإن وجد عوضاً منه، فإنّ في عزله إفساداً للنّاس على قضاتهم، وقال أصبغ: أحبّ إليّ أن يعزله وإن كان مشهوراً بالعدالة والرّضا إذا وجد منه بدلاً، لأنّ في ذلك إصلاحاً للنّاس، يعني لما ظهر من استيلاء القضاة وقهرهم، ففي ذلك كفّ لهم، وإن كان غير مشهور بالعدالة فليعزله إذا وجد بدلاً منه، وتضافر عليه الشّكيّة، وإن لم يجد بدلاً منه كشف عن حاله وصحّة الشّكاوى عليه بواسطة رجال ثقات يستفسرون عن ذلك من أهل بلده، فإن صدّقوا ذلك عزله وإن قال أهل بلده: ما نعلم منه إلاّ خيراً أبقاه ونظر في أحكامه الصّادرة، فما وافق السّنّة أمضاه، وما خالف ردّه، وأوّل ذلك خطأً لا جوراً. وقال الشّافعيّة: يجوز للإمام عزله لذلك لكن قال العزّ بن عبد السّلام: يجب عزله.
21 - إذا فقد القاضي شرطاً من شروط الصّلاحية للقضاء، أو طرأ سبب من الأسباب الموجبة أو المبرّرة لعزله، ففي عزله بذلك أو انعزاله التّفصيل التّالي: ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا حصلت بالقاضي واحدة من أربع خصال صار معزولاً: ذهاب البصر، وذهاب السّمع، وذهاب العقل، والرّدّة، وقالوا: لو كان عدلاً ففسق بأخذ الرّشوة أو بغيره استحقّ العزل، قال ابن عابدين: هذا ظاهر المذهب... ومعناه: أنّه يجب على السّلطان عزلـه، وقيل: إذا ولّى عدلاً ثمّ فسق انعزل، لأنّ عدالته مشروطة معنىً، لأنّ مولّيه اعتمدها فيزول بزواله، ونقل ابن عابدين عن البحر أنّ الفتوى: أنّه لا ينعزل بالرّدّة أيضاً فإنّ الكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الرّوايتين. واختلف المالكيّة هل ينعزل القاضي بفسقه أو حتّى يعزله الإمام ؟ قال المازريّ: ظاهر المذهب على قولين، وأشار إلى ترجيح عدم عزله، وهو قول أصبغ، ومذهب ابن القصّار: أنّه إذا ظهر عليه الفسق بعد ولايته انفسخ عقد ولايته. وقال الشّافعيّة: إذا فقد القاضي شرطاً من شروط أهليّته للقضاء كأن جنّ أو عمي أو خرس انعزل بذلك ولم ينفذ حكمه، وإذا عزل الإمام القاضي بنحو كثرة الشّكوى مثلاً فالمذهب أنّه لا ينعزل قبل أن يبلغه خبر العزل لعظم الضّرر في نقض أقضيته. وقال الحنابلة: ما يمنع تولية القضاء ابتداءً يمنعها دواماً إذا طرأ ذلك عليه لفسق أو زوال عقل، فينعزل بذلك، لأنّ وجود العقل والعدالة ونحوها شرط في صحّة الولاية، فتبطل بزواله لفقد شرطها، إلاّ فقد السّمع والبصر فيما ثبت عنده - أي القاضي - في حال سمعه وبصره فلم يحكم به حتّى عمي أو طرش، فإنّ ولاية حكمه باقية فيه، ولو مرض مرضاً يمنع القضاء تعيّن عزله، وقال الموفّق والشّارح: ينعزل بذلك ويتعيّن على الإمام عزله.
22 - نصّ الشّافعيّة على أنّه إذا طرأ على القاضي سبب من أسباب انعزاله، ثمّ زال هذا السّبب وعادت إلى القاضي أهليّته للقضاء لم تعد ولايته بلا تولية في الأصحّ كالوكالة، ولأنّ الشّيء إذا بطل لم ينقلب إلى الصّحّة بنفسه وإن زال المانع كالبيع ونحوه. ومقابل الأصحّ: أنّ الولاية تعود من غير استئناف تولية، كالأب إذا جنّ، ثمّ أفاق أو فسق ثمّ تاب.
23 - ذهب الحنفيّة، والحنابلة، والمالكيّة في ظاهر المذهب وهو المذهب عند الشّافعيّة إلى أنّ أمر العزل لا يعتبر نافذاً بمجرّد العزل، بل لا بدّ من علم القاضي بذلك، وذلك لضرورة النّاس إلى ذلك، ولأنّ نسخ الحكم لا يثبت في حقّ من لم يبلغه، فلو أصدر حكماً بعد عزلـه وقبل بلوغه خبر العزل نفذ حكمه، إذ في نقض أقضيته في هذه الفترة عظيم ضرر على النّاس. وقال الحنفيّة والشّافعيّة: لو كتب إليه: عزلتك، أو أنت معزول، من غير تعليق على القراءة، لم ينعزل ما لم يأته الكتاب.
24 - في الآثار القضائيّة المترتّبة على عزله ينظر في مصطلح: (قضاء).
25 - إن أذن الإمام للقاضي بالاستخلاف فإنّ من يستخلفه القاضي لا ينعزل بموته أو انعزاله، ولا بإصدار أمر من القاضي بعزله. واستثنى الحنفيّة ما لو فوّض له العزل فإنّه يملك عزله. وعلّل ذلك بأنّ توليته تعتبر من قبل السّلطان نفسه، ولا يملك القاضي عزله وإن استخلفه بغير إذن من الإمام ففي ذلك تفصيل وخلاف ينظر في: (استخلاف، وقضاء).
26 - من ولاه خصمان ليكون محكّماً بينهما، ينعزل بأمور سبق بيانها في مصطلح: (تحكيم فقرة 41).
27 - عقد الوكالة من العقود الجائزة - أي غير الملزمة - لأيّ من الموكّل والوكيل، إذ الثّاني متبرّع، والأوّل قد لا يستسيغ تصرّف وكيله فيمكنه الاستغناء عنه، وبناءً على هذا فإنّ عزل الوكيل عن الوكالة قد يقع من الوكيل نفسه، وقد يقع من موكّله. وانظر تفصيل ذلك وغيره في مصطلح: (وكالة).
28 - يكون عزل الوصيّ بعزله نفسه عن الوصاية أو بعزله من قبل الموصي، أو بحدوث خلل في شروط صحّة الإيصاء إليه أو غير ذلك. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح: (إيصاء فقرة 18 ووصيّة).
29 - المضاربة: عقد من العقود الجائزة تجري بين اثنين: أحدهما ربّ مال والآخر عامل والمضارب هو العامل منهما، وعزله يتحقّق بسبب من الأسباب الموجبة لإنهاء المضاربة. وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح: (مضاربة).
30 - الكفيل هو من يضمّ ذمّته إلى ذمّة الأصيل في المطالبة بنفس أو دين أو عين، ويترتّب عليه حقّ المكفول له في مطالبة الكفيل، فلا بدّ من اشتراط كون الكفيل من أهل التّبرّع ابتداءً وانتهاءً. وينتهي هذا الحقّ بأمور ينظر تفصيلها في مصطلح: (كفالة).
31 - ناظر الوقف إمّا أن يكون أصليّاً أو فرعيّاً. فإن كان أصليّاً فإنّ عزله يكون بأحد أمور ثلاثة: أ - بعزله نفسه عن ولاية الوقف. ب - بموته. ج - بفقد شرط من الشّروط الّتي يجب تحقّقها فيه، وهي: العقل، والبلوغ، والعدالة، والكفاءة، والإسلام. وإن كان فرعيّاً ففي عزله خلاف. وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح: (وقف).
32 - اختلف الفقهاء في عزل المرضى عن الأصحّاء خشية العدوى وانتقال المرض أو عدم عزلهم، فقال بعضهم بوجوب العزل، وبعضهم بعدمه، وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلحي: (عدوى ومرض).
33 - العزل عن الزّوجة والأمة هو أن يجامع الرّجل حليلته، فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج، وسبب ذلك: إمّا العزوف عن علوق المرأة وتكوين حمل في رحمها، وإمّا أسباب صحّيّة تعود إلى المرأة أو إلى الجنين أو إلى الطّفل الرّضيع.
34 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز عزل السّيّد عن أمته مطلقاً سواء أذنت بذلك أو لم تأذن، لأنّ الوطء حقّه لا غير، وكذا إنجاب الولد وليس ذلك حقّاً لها.
35 - اختلف الفقهاء فيها على رأيين: الرّأي الأوّل: الإباحة مطلقاً أذنت الزّوجة أو لم تأذن، إلاّ أنّ تركه أفضل وهو الرّاجح عند الشّافعيّة، وذلك لأنّ حقّها الاستمتاع دون الإنزال، إلاّ أنّه يستحبّ استئذانها. الرّأي الثّاني: الإباحة بشرط إذنها، فإن كان لغير حاجة كره، وهو قول عمر وعليّ وابن عمر وابن مسعود ومالك، وهو الرّأي الثّاني للشّافعيّة، وبه قال الحنفيّة، إلاّ أنّهم استثنوا ما إذا فسد الزّمان فأباحوه دون إذنها. واستدلّ القائلون بالإباحة المطلقة بما روي عن جابر رضي الله عنه قال: » كنّا نعزل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل « وفي رواية مسلم: » كنّا نعزل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا « واستدلّ القائلون بالإباحة بشرط الاستئذان بما روى الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال: » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرّة إلاّ بإذنها «. وأخرج عبد الرّزّاق والبيهقيّ عن ابن عبّاس قال: » نهى عن عزل الحرّة إلاّ بإذنها «. وأمّا أدلّة الكراهة: إن كان العزل بدون عذر، فلأنّه وسيلة لتقليل النّسل، وقطع اللّذّة عن الموطوءة إذ قد حثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد فقال: » تناكحوا تكثروا «. وقال: » تزوّجوا الودود الولود فإنّي مكاثر بكم الأمم «. والعذر في العزل يتحقّق في الأمور التّالية: أ - إذا كانت الموطوءة في دار الحرب وتخشى على الولد الكفر. ب - إذا كانت أمةً ويخشى الرّقّ على ولده. ج - إذا كانت المرأة يمرضها الحمل أو يزيد في مرضها. د - إذا خشي على الرّضيع من الضّعف. هـ- إذا فسد الزّمان وخشي فساد ذرّيّته.
1 - العُزلة - بالضّمّ - في اللّغة: اسم من الاعتزال، وهو تجنّب الشّيء بالبدن كان ذلك أو بالقلب. وفي الاصطلاح: الخروج عن مخالطة الخلق بالانزواء والانقطاع.
الخلوة: 2 - الخلوة: انفراد الإنسان بنفسه. قال السّهرورديّ: الخلوة غير العزلة، فالخلوة من الأغيار، والعزلة من النّفس وما تدعو إليه وما يشغل عن اللّه، فالخلوة كثيرة الوجود، والعزلة قليلة الوجود.
3 - ذهب العلماء إلى أنّ أفضليّة العزلة عند ظهور الفتن وفساد النّاس، إلاّ أن يكون الإنسان له قدرة على إزالة الفتنة، فإنّه يجب عليه السّعي في إزالتها بحسب الحال والإمكان، وأمّا في غير أيّام الفتنة فقد اختلف العلماء في المفاضلة بين العزلة والاختلاط: قال النّوويّ: اعلم أنّ الاختلاط بالنّاس على الوجه الّذي ذكرته - أي من شهود خيرهم دون شرّهم، وسلامتهم من شرّه - هو المختار الّذي كان عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليهم، وكذلك الخلفاء الرّاشدون ومن بعدهم من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين وأخيارهم، وهو مذهب أكثر التّابعين ومن بعدهم، وبه قال الشّافعيّ وأحمد وأكثر الفقهاء رضي الله عنهم أجمعين. واحتجّ القائلون بأفضليّة المخالطة: بأنّ اللّه سبحانه وتعالى أمر بالاجتماع، وحضّ عليه، ونهى عن الافتراق وحذّر منه، فقال تعالى ذكره: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً }. وأعظم المنّة على المسلمين في جمع الكلمة وتأليف القلوب منهم فقال عزّ وجلّ: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ }. وقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ } واحتجّوا بأحاديث نبويّة منها: قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: » المؤمن الّذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الّذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم «. وقالوا: إنّ المخالطة فيها اكتساب الفوائد، وشهود شعائر الإسلام، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال الخير إليهم ولو بعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وإفشاء السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والتّعاون على البرّ والتّقوى، وإعانة المحتاج، وحضور جماعاتهم، وغير ذلك ممّا يقدر عليه كلّ أحد. ونقل ابن حجر والعينيّ عن قوم: تفضيل العزلة، لما فيها من السّلامة المحقّقة، لكن يشترط أن يكون عارفاً بوظائف العبادة الّتي تلزمه وما يكلّف به، قال الكرمانيّ: المختار في عصرنا تفضيل الانعزال لندرة خلوّ المحافل عن المعاصي. واحتجّوا بقوله تعالى حكايةً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً، فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلْنَا نَبِيّاً }. وبحديث عقبة بن عامر الجهنيّ رضي الله عنه لمّا قال: يا رسول اللّه ما النّجاة ؟ قال: » أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك «. وذهب بعض العلماء إلى أنّ حكم العزلة والمخالطة يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم من يتحتّم عليه أحد الأمرين، ومنهم من يترجّح في حقّه أحدهما. ونقل ابن حجر عن الخطّابيّ: أنّ العزلة والاختلاط يختلفان باختلاف متعلّقاتهما، فتحمل الأدلّة الواردة في الحضّ على الاجتماع على ما يتعلّق بطاعة الأئمّة وأمور الدّين، وعكسها في عكسه، وأمّا الاجتماع والافتراق بالأبدان، فمن عرف الاكتفاء بنفسه في حقّ معاشه ومحافظة دينه، فالأولى له الانكفاف عن مخالطة النّاس بشرط أن يحافظ على الجماعة والسّلام والرّدّ وحقوق المسلمين من العيادة وشهود الجنازة ونحو ذلك، والمطلوب إنّما هو ترك فضول الصّحبة، لما في ذلك من شغل البال وتضييع الوقت عن المهمّات ويجعل الاجتماع بمنزلة الاحتياج إلى الغداء والعشاء، فيقتصر منه على ما لا بدّ له منه فهو روح البدن والقلب. قال الغزاليّ: إن وجدت جليساً يذكّرك اللّه رؤيته وسيرته فالزمه ولا تفارقه، واغتنمه ولا تستحقره، فإنّها غنيمة المؤمن وضالّة المؤمن، وتحقّق أنّ الجليس الصّالح خير من الوحدة، وأنّ الوحدة خير من الجليس السّوء.
4 - ينبغي للعبد - إذا آثر العزلة - أن يعتقد باعتزاله عن الخلق سلامة النّاس من شرّه، ولا يقصد سلامته من شرّ الخلق، فإنّ الأوّل نتيجة استصغار نفسه، والثّاني شهود مزيّته على الخلق، ومن استصغر نفسه فهو متواضع ومن رأى لنفسه مزيّةً على أحد فهو متكبّر، وأن يكون خالياً من جميع الأذكار إلاّ ذكر ربّه، خالياً من جميع الإرادات إلاّ رضا ربّه، وخالياً من مطالبة النّفس من جميع الأسباب، فإن لم يكن بهذه الصّفة فإنّ خلوته توقعه في فتنة أو بليّة، وأن يترك الخصال المذمومة، لأنّ العزلة الحقيقيّة هي اعتزال الخصال المذمومة، فالتّأثير لتبديل الصّفات لا للتّنائي عن الأوطان، وأن يأكل الحلال، ويقنع باليسير من المعيشة، ويصبر على ما يلقاه من أذى الجيران، ويسدّ سمعه عن الإصغاء إلى ما يقال فيه من ثناء عليه بالعزلة. وليكن له أهل صالحة، أو جليس صالح لتستريح نفسه إليه في اليوم ساعةً من كدّ المواظبة، ففيه عون على بقيّة السّاعات. وليكن كثير الذّكر للموت ووحدة القبر. وليلزم القصد في حالتي العزلة والخلطة، لأنّ الإغراق في كلّ شيء مذموم وخير الأمور أوسطها، والحسنة بين السّيّئتين. قال الخطّابيّ: والطّريقة المثلى في هذا الباب ألاّ تمتنع من حقّ يلزمك للنّاس وإن لم يطالبوك به، وألاّ تنهمك لهم في باطل لا يجب عليك وإن دعوك إليه، فإنّ من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه، ومن انحلّ في الباطل جمد عن الحقّ، فكن مع النّاس في الخير، وكن بمعزل عنهم في الشّرّ، وتوخّ أن تكون فيهم شاهداً كغائب وعالماً كجاهل.
5 - الاعتزال عن النّاس يكون مرّةً في الجبال والشّعاب، ومرّةً في السّواحل والرّباط، ومرّةً في البيوت، وقد جاء في الخبر: » إذا كانت الفتنة فأخف مكانك، وكفّ لسانك « ولم يخصّ موضعاً من موضع. وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة، اعتزال الشّرّ وأهله بقلبك وعملك إن كنت بين أظهرهم. قال ابن المبارك في تفسير العزلة: أن تكون مع القوم، فإذا خاضوا في ذكر اللّه فخض معهم، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت. وقال القرطبيّ: أحوال النّاس في هذا الباب تختلف فربّ رجل تكون له قوّة على سكنى الكهوف والغيران في الجبال، وهي أرفع الأحوال، لأنّها الحالة الّتي اختارها اللّه لنبيّه صلى الله عليه وسلم في بداية أمره ونصّ عليها في كتابه مخبراً عن الفتية فقال: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ }. وربّ رجل تكون العزلة له في بيته أخفّ عليه وأسهل، وقد اعتزل رجال من أهل بدر فلزموا بيوتهم بعد قتل عثمان، فلم يخرجوا إلاّ إلى قبورهم، وربّ رجل متوسّط بينهما فيكون له من القوّة ما يصبر بها على مخالطة النّاس وأذاهم، فهو معهم في الظّاهر ومخالف لهم في الباطن.
6 - قد يكون للعزلة فوائد منها: أ - التّفرّغ للعبادة والفكر والاستئناس بمناجاة اللّه تعالى. ب - التّخلّص بالعزلة من المعاصي الّتي يتعرّض الإنسان لها غالباً بالمخالطة، ويسلم منها في الخلوة، وهي أربعة: الغيبة، والنّميمة، والرّياء، والسّكوت عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومسارقة الطّبع من الأخلاق الرّديئة، والأعمال الخبيثة الّتي يوجبها الحرص على الدّنيا. ج - الخلاص من الفتن والخصومات، وصيانة الدّين والنّفس عن الخوض فيها والتّعرّض لأخطارها. د - الخلاص من شرّ النّاس. هـ - السّلامة من آفات النّظر إلى زينة الدّنيا وزهرتها والاستحسان لما ذمّه اللّه تعالى من زخرفها وعابه من زبرج غرورها. و - السّلامة من التّبذّل لعوامّ النّاس وحواشيهم والتّصوّن عن ذلّة الامتهان منهم
7 - قال الغزاليّ: اعلم أنّ من المقاصد الدّينيّة والدّنيويّة ما يستفاد بالاستعانة بالغير ولا يحصل ذلك إلاّ بالمخالطة، فكلّ ما يستفاد من المخالطة يفوت بالعزلة وفواته من آفات العزلة.
1 - العزم في اللّغة مصدر، يقال: عزم على الشّيء، وعزمه عزماً: عقد ضميره على فعله، وعزم عزيمةً وعزمةً: اجتهد وجدّ في أمره. ويأتي بمعنى الصّبر والمواظبة على التزام الأمر، كما فسّره ابن عبّاس رضي الله عنهما عند قوله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } وفسّره الألوسيّ بأنّه: تصميم رأي وثبات قدم في الأمور. أمّا في الاصطلاح فلا يخرج معناه عن المعنى اللّغويّ، قال ابن حجر: إنّ العزم هو: الميل إلى الشّيء والتّصميم على فعله، وقال التّهانويّ: العزم هو: جزم الإرادة، أي الميل بعد التّردّد الحاصل من الدّواعي المختلفة.
أ - الإرادة: 2 - الإرادة في اللّغة: المشيئة، ويستعملها الفقهاء بمعنى القصد إلى الشّيء والاتّجاه إليه، أو هي: صفة توجب للحيّ حالاً يقع منه الفعل على وجه دون وجه. فالإرادة أعمّ من العزم، حيث لا يشترط فيها التّصميم على فعل الشّيء. ب - النّيّة: 3 - النّيّة في اللّغة: القصد، ثمّ خصّت في غالب الاستعمال بعزم القلب على أمر من الأمور. وعلى ذلك فهي أقرب لمعنى العزم. لكنّ الفقهاء فرّقوا بينهما بأنّ النّيّة: قصد الشّيء، مقترناً بفعله، فإن قصده وتراخى فهو عزم. ونقل التّهانويّ عن بعض الفقهاء أنّ النّيّة والعزم متّحدان معنىً، ويؤيّد هذا ما ذكره بعض الفقهاء من أنّ النّيّة عقد القلب على إيجاد الفعل جزماً، وهذا هو معنى العزم أيضاً كما سبق، وقال ابن عابدين: العزم والقصد والنّيّة اسم للإرادة الحادثة، لكنّ العزم هو المتقدّم على الفعل، والقصد المقترن به، والنّيّة المقترنة بالفعل مع دخوله تحت العلم بالمنويّ. ج - الهمّ: 4 - من معاني الهمّ: الإرادة والقصد، يقال: هممت بالشّيء همّاً إذا أردته ولم تفعله، والهمّ أوّل العزم، وقد يطلق على العزم أيضاً. ويقول ابن حجر في شرح البخاريّ: إنّ الهمّ ترجيح قصد الفعل وهو أن يميل إلى الشّيء ولكن لا يصمّم على فعله، وفوقه العزم، وهو: أن يميل إليه ويصمّم على فعله، فالعزم منتهى الهمّ، والهمّ أوّل العزم، والعزم فيه توطين النّفس على الفعل، بخلاف الهمّ، كما قال التّهانويّ.
5 - بحث الفقهاء والأصوليّون مسائل العزم على الفعل أو التّرك في مسائل مختلفة منها: أ - الثّواب أو العقاب على العزم: 6 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإنسان لا يعاقب على ما توسوس به نفسه من المعاصي ما لم يعملها أو يتكلّم بها، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: » إنّ اللّه تجاوز لي عن أمّتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلّم « وفي رواية أخرى: » ما حدّثت به أنفسها «. قال ابن حجر: المراد نفي الحرج عمّا يقع في النّفس حتّى يقع العمل بالجوارح، أو القول باللّسان على وفق ذلك، والمراد بالوسوسة: تردّد الشّيء في النّفس من غير أن يطمئنّ إليه ويستقرّ عنده كما اتّفقوا على أنّ من همّ بسيّئة ولم يفعلها فلا عقاب عليه، بل تكتب له حسنة إذا كان قد تركها قادراً عليها، وذلك لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه عزّ وجلّ قال: » إنّ اللّه كتب الحسنات والسّيّئات ثمّ بيّن ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها اللّه له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو همّ بها فعملها كتبها اللّه له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن همّ بسيّئة فلم يعملها كتبها اللّه له عنده حسنةً كاملةً «. أمّا العزم: وهو أقوى من الهمّ، فإن كان على الحسنة فإنّه يكتب حسنةً قبل العمل بلا خلاف كما هو ظاهر من نصّ الحديث السّابق، واختلفوا في العزم على السّيّئة قبل أن يعمل بها، هل يعتبر معصيةً أم لا ؟ ونقل ابن حجر عن بعضهم أنّ العزم على المعصية يقسّم إلى قسمين: الأوّل: أن يكون من الاعتقاديّات وأعمال القلوب صرفاً، كالشّكّ في الوحدانيّة أو النّبوّة أو البعث، فهذا كفر، يعاقب عليه جزماً. والثّاني: أن يكون من أعمال الجوارح كالزّنا والسّرقة، فهو الّذي وقع فيه الخلاف، فذهب بعضهم إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلاً، وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمّم. ب - العزم على أداء الواجب الموسّع: 7 - اتّفق الفقهاء على أنّ الوقت سبب لوجوب الصّلاة، لكنّهم اختلفوا في تحديد الجزء الّذي يتعلّق به وجوب الأداء: فقال الجمهور: جميع الوقت وقت لأدائه، فيتخيّر المكلّف أن يأتي به في أيّ وقت شاء من وقته المقدّر، ولا يترك في كلّ الوقت، لكن قال القاضي أبو بكر الباقَلانيّ وأكثر الشّافعيّة: الواجب في كلّ وقت الفعل أو العزم بدلاً، ويتعيّن الفعل آخراً، ومثلهم ما ذكره الحنابلة، قال البهوتيّ: يجب العزم على القضاء إذا لم يفعله فوراً في الموسّع، وكذا كلّ عبادة متراخية، يجب العزم عليها، كالصّلاة إذا دخل وقتها الموسّع. ونقل عن بعض الشّافعيّة: أنّ وقت الوجوب أوّله، فإن أخّره فقضاء، بينما روي عن بعض الحنفيّة: أنّه ليس كلّ الوقت وقتاً للواجب بل آخره. وتفصيل الموضوع في الملحق الأصوليّ. ج - العزم على ترك المنهيّ عنه: 8 - قرّر الأصوليّون أنّ امتثال الأمر أو النّهي الّذي يترتّب عليه الثّواب لا يكون إلاّ بالمقدور، وهو الفعل في الأمر والكفّ في النّهي، أي: الامتناع عن إتيان الفعل المنهيّ عنه والعزم على التّرك، فإن لم يكن الفعل مقدوراً للمكلّف أو لم يعزم على ترك المنهيّ عنه في حال القدرة عليه، فلا ثواب على تركه. وتفصيله في الملحق الأصوليّ. د - العزم على عدم العود في التّوبة: 9 - ذكر الفقهاء والمفسّرون في شروط التّوبة أنّها لا تصحّ إلاّ بتوفّر شروط منها: العزم عزماً جازماً أن لا يعود إلى مثل المعصية أبداً. وتفصيل الموضوع في مصطلح: (توبة ف 4).
1 - العزيمة في اللّغة: الاجتهاد والجدّ في الأمر، وهي مصدر عزم على الشّيء، وعزمه عزماً: عقد ضميره على فعله، وعزم عزيمةً وعزمةً: اجتهد وجدّ في أمره، وعزيمة اللّه فريضته الّتي افترضها، والجمع عزائم. والعزيمة اصطلاحاً كما قال الغزاليّ: هي عبارة عمّا لزم العباد بإيجاب اللّه تعالى. وقال الزّركشيّ: العزيمة شرعاً: عبارة عن الحكم الأصليّ السّالم موجبه عن المعارض، كالصّلوات الخمس من العبادات، ومشروعيّة البيع وغيرها من التّكاليف.
الرّخصة: 2 - الرّخصة في اللّغة: نعومة الملمس، والإذن في الأمر بعد النّهي عنه، والتّسهيل في الأمر والتّيسير، يقال: رخّص الشّرع لنا في كذا ترخيصاً، إذا يسّره وسهّله. وفي الاصطلاح: قال الغزاليّ: هي عبارة عمّا وسّع للمكلّف في فعله لعذر، وعجز عنه مع قيام السّبب المحرّم. فالعزيمة قد تكون في مقابل الرّخصة، على القول بأنّ العزيمة هي الحكم المتغيّر عنه، وقد لا تكون في مقابل الرّخصة، على القول بأنّ العزيمة هي الحكم الّذي لم يتغيّر أصلاً.
3 - قسّم الأصوليّون العزيمة إلى أقسام: قال الحنفيّة: تنقسم العزيمة إلى فرض وواجب وسنّة ونفل. وخصّها القرافيّ من المالكيّة بالواجب والمندوب لا غير، حيث قال في حدّ العزيمة: هي طلب الفعل الّذي لم يشتهر فيه مانع شرعيّ. وقال: ولا يمكن أن يكون المباح من العزائم، فإنّ العزم هو الطّلب المؤكّد فيه. وذهب البيضاويّ - صاحب المنهاج - إلى أنّ العزيمة تنتابها الأحكام التّكليفيّة الخمسة: الإيجاب، والنّدب، والتّحريم، والكراهة، والإباحة. وذهب الرّازيّ في المحصول إلى استبعاد التّحريم في تقسيم البيضاويّ، حيث جعل مورد التّقسيم الفعل الجائز. ومن العلماء من خصّ العزيمة بالواجب فقط، وبه جزم الغزاليّ في المستصفى، والآمديّ في الإحكام، وابن الحاجب في المنتهى، حيث صرّحوا بأنّ العزيمة ما لزم العباد بإيجاب اللّه تعالى. قال الإسنويّ: وكأنّهم احترزوا بإيجاب اللّه تعالى عن النّذر. والتّفصيل في الملحق الأصوليّ.
4 - قد يرفع الشّرع عن المكلّف الحرج في الأخذ بالعزيمة أو في الأخذ بالرّخصة، أي: أنّه يكون مخيّراً في بعض الحالات بين الإتيان بهذه أو بتلك، لأنّ ما بينهما صار بمثابة ما بين أجزاء الواجب المخيّر الّذي يكتفى فيه بالإتيان بأيّ نوع من أنواعه، ولكن مع ذلك كان للتّرجيح بينهما مجال رحب غزير المادّة، تباينت فيه أنظار المجتهدين، حيث اختلفوا بين مرجّح للأخذ بالعزيمة في هذه الحالة، وبين مرجّح للأخذ بالرّخصة فيها، وكلّ من الفريقين قد علّل رأيه بمجموعة من المبرّرات. وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ.
1 - العسب في اللّغة: طَرْق الفحل، أي: ضِرابه، يقال: عسب الفحل النّاقة يعسبها. وفي القاموس: العسب: ضراب الفحل أو ماؤه أو نسله، والولد، وإعطاء الكراء على الضّراب. والفحل لغةً: الذّكر من كلّ حيوان. وفي الاصطلاح قال الشّربينيّ: عسب الفحل: ضرابه، أي طروق الفحل للأنثى، قال الرّافعيّ: وهذا هو المشهور، وصحّح الماورديّ والرّويانيّ أنّ عسب الفحل ماؤه، وقيل أجرة ضرابه، وجزم به صاحب الكافي.
أ - المضامين: 2 - اختلف اللّغويّون في تفسير معنى المضامين: فذهب بعضهم إلى أنّ المضامين ما في أصلاب الفحول. وذهب بعضهم إلى أنّ المضامين ما في بطون الإناث. كما اختلف الفقهاء في معنى المضامين: فذهب الحنفيّة والشّافعيّة، وابن حبيب من المالكيّة، وهو قول عند الحنابلة إلى أنّ المضامين ما في أصلاب الفحول. وذهب المالكيّة وهو قول عند الحنابلة: إلى أنّ المضامين: ما في بطون إناث الدّوابّ ب - الملاقيح: 3 - اختلف اللّغويّون في معنى الملاقيح: فذهب بعضهم إلى أنّ الملاقيح ما في بطون الإناث. وذهب بعضهم إلى أنّها ما في أصلاب الفحول. وفي الاصطلاح: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الملاقيح ما في بطون الإناث. وذهب المالكيّة - غير ابن حبيب وهو قول عند الحنابلة - إلى أنّ الملاقيح ما في ظهور الفحول. وعلى ذلك فإنّ عسب الفحل في بعض معانيه يوافق المضامين والملاقيح في بعض الإطلاقات.
4 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز بيع عسب الفحل، لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل «. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجّام، وعن ثمن الكلب، وعن عسب الفحل «. وعلّل الكاسانيّ النّهي بأنّ عسب الفحل ضرابه، وهو عند العقد معدوم. 5- أمّا الإجارة فقد رأى جمهور الفقهاء - الحنفيّة، وفي الأصحّ عند الشّافعيّة، وأصل مذهب الحنابلة - عدم جواز إجارة الفحل للضّراب، للأحاديث السّابقة قال الكاسانيّ: قد روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » نهى عن عسب الفحل « ولا يمكن حمل النّهي على نفس العسب، وهو الضّراب، لأنّ ذلك جائز بالإعارة، فيحمل على البيع والإجارة، إلاّ أنّه حذف ذلك وأضمره فيه كما في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ }. وقال المالكيّة، وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة: إنّه يجوز إجارة الفحل للضّراب، وقيّد المالكيّة الجواز بما إذا كان الاستئجار لزمان معيّن كيوم أو يومين، أو لمرّات معيّنة كمرّتين أو ثلاث، ولا يجوز استئجار الفحل للضّراب إلى حمل الأنثى عند المالكيّة. وقال الحنابلة: إن احتاج إنسان إلى استئجار الفحل للضّراب، ولم يجد من يطرق له مجّاناً، جاز له أن يبذل الكراء، لأنّه بذل لتحصيل منفعة مباحة تدعوا الحاجة إليها. وتفصيل ذلك في مصطلح: (إجارة ف 101).
انظر: تيسير ورخصة.
|